عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

لتقصير في الأمر الذي حلف عليه. والإيلاء في الشّرع : الحلف المانع من جماع المرأة. قلت : ولا بدّ من قيد آخر ، وهو مدة أربعة أشهر فأكثر للنصّ.

قوله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ)(١) قيل : هو افتعل من ألوت ، وقيل : من آليت : حلفت. وهذا قد نزل في شأن أبي بكر ، رضي الله تعالى عنه ، حين حلف ليقطعنّ نفقته عن مسطح (٢). وقد غلّط ابن عرفة أبا عبيد (٣) في قوله : (وَلا يَأْتَلِ) : لا يقصّر ، قال : لأنّ الآية نزلت في حلف أبي بكر ، فالمعنى : لا تحلفوا ، من الأليّة. قلت : وقد يترجّح ما قاله أبو عبيد من حيث الصناعة ، وذلك بأنّ يأتل : يفتعل ، وافتعل قليل (٤) من أفعل ، وإنّما يكثر من فعل ، نحو : كسب واكتسب ، وصنع واصطنع ، واحده من ألوت موافق للقياس ، وإنزالها في حلف أبي بكر لا ينافيه ، لأنّ المراد النّهي عن التقصير. وفي الحديث : «لا دريت ولا ائتليت» (٥) ، هو افتعلت من قولك : لا ألوته شيئا ، كأنه قيل : ولا أستطيعه (٦). وحقيقته الإيلاء. ويروى (٧) : ولا تليت. قال الهرويّ : هو غلط ، وصوابه : لا دريت ولا ائتليت ، يدعو عليها بالائتلاء أي لا يكون لها أولاد تتلوها.

وفي الحديث : «لا صام ولا ألّى» (٨) هو فعّل من ألوت أي ولا استطاع أن يصوم. وقيل : إخبار (٩) [أي](١٠) لم يصم ولم يقصّر. وفي الحديث : «من يتألّ على الله يكذّبه» (١١) أي من حلف أنّ الله يدخل فلانا الجنة أو النار وشبه ذلك يكذّبه.

__________________

(١) ٢٢ / النور : ٢٤.

(٢) كان مسطح بن أثاثة من الذين قالوا بالإفك وكان من قرابة أبي بكر وينفق عليه ، وحين قال به حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه ، فأنزل الله تعالى الآية فعاد أبو بكر إلى الإنفاق.

(٣) في الأصل عبيدة ، وكذا التالية. والتصويب من اللسان مادة ـ ألا.

(٤) أي : قلّما.

(٥) في حديث منكر ونكير (النهاية : ١ / ٦٢) والمعنى : أي ولا استطعت أن تدري.

(٦) لعل الصواب أن يقول : ما استطعت.

(٧) يعني الحديث ، ذلك أن بعض المحدّثين يروونه «لا دريت ولا تليت» ويعدّونه خطأ.

(٨) تمام الحديث كما في النهاية : ١ / ٦٣ «من صام الدهر لا صام ولا ألّى».

(٩) أي يجوز أن يكون إخبارا.

(١٠) إضافة يقتضيها السياق.

(١١) في الأصل : من تألّ ، والتصويب من النهاية : ١ / ٦٣.

١٢١

وأولاء : اسم إشارة للمذكر والمؤنث ، ويمدّ وهو الأكثر (١) ويقصر (٢). وتتصل به هاء التّنبيه من أوّله وكاف الخطاب من آخره. ويقال : أولئك (٣) ، وفيه لغات ذكرتها في «إيضاح السبيل إلى شرح التسهيل» ، وذكرت هناك رتبة نسبة (٤) القرب والبعد والتوسّط.

والآلاء : النّعم ، واحدها إلى كمعى ، وألى كرحى ، وألي كهجر ، وإلي كفلس. قال تعالى : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ)(٥) أي نعمه الظاهرة والباطنة ، وإليه الإشارة بقوله : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً)(٦) قرىء (٧) بالإفراد والجمع. وقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٨) معناه أنّ كلّ نعمة من نعمه وإن قلّت بالنسبة إلى فضله العميم ، فلا ينبغي أن تكفر بل تشكر. وقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٩) قيل : (إلى) هنا هي النّعمة ، وناظرة بمعنى منتظرة ، وهذا تأوّله المعتزلة على ذلك لينفوا ما ثبت قطعا من الرؤية. قال الراغب بعد أن ذكره : وهو تعسّف من حيث البلاغة (١٠).

وألا : بالتخفيف ، يكون حرف استفتاح وتنبيه ينبّه به المخاطب ، ويكون للعرض والتمنّي. وتكون (لا) النافية دخلت عليها همزة الاستفهام من غير تغيير لها في العمل. وتكون للتخصيص ، فتختصّ بالفعل كألّا بالتشديد ، ولولا ، ولوما ، وهلّا. ولها أحكام أخر.

__________________

(١) وهي لغة أهل الحجاز.

(٢) ويقصر أي (أولا) وهي لغة بني تميم ، ووردت في لامية للأعشى.

(٣) في الأصل : أولا لك.

(٤) سقطت كلمة (هناك) من ح.

(٥) ٧٤ / الأعراف : ٧.

(٦) ٢٠ / لقمان : ٣١.

(٧) قرأ أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم بالجمع ، وقرأ الباقون «نعمة ظاهرة» بالإفراد (المبسوط : ٣٥٢ ، ٣٥٣).

(٨) ١٣ / الرحمن : ٥٥.

(٩) ٢٢ ، ٢٣ / القيامة : ٧٥.

(١٠) المفردات : ٢٢.

١٢٢

أ ل ي :

حرف جرّ معناه انتهاء الغاية (١). وهل يدخل ما بعدها في ما قبلها؟ خلاف مشهور حقّقته في غير هذا الكتاب. وتكون بمعنى (مع) نحو : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)(٢). وبمعنى (في) كقوله : [من الطويل]

فلا تتركنّي بالوعيد كأنني

إلى الناس مطليّ به القار أجرب (٣)

أي : في الناس. وبمعنى من ، كقوله (٤) : [من الطويل]

أيسقى فلا يروى إليّ ابن أحمرا؟

أي : فلا يروى منّي. وزائدة كقراءة (تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(٥) بفتح الواو.

والألية : الثانية عن الظهر ، وشذّ تثنيتها أليان بحذف الياء. والألية أيضا أصل الإبهام ، كما الضّرّة أصل الخنصر. وفي الحديث : «أنه عليه الصلاة والسّلام تفل في عين عليّ فمسح بألية إبهامه» (٦).

وإليك : قد تقع موقع تنحّ. وفي الحديث : «ولا ..» (٧).

فصل الألف والميم

أ م ا :

أمّا بالتشديد : حرف يفصّل ما أجمله المتكلّم وادّعاه المخاطب. ومعناها معنى اسم

__________________

(١) الغاية الزمانية والمكانية (انظر مغني اللبيب : ١ / ٧٤).

(٢) ٢ / النساء : ٤.

(٣) من اعتذارية للنابغة ص ٧٨.

(٤) وصدره كما في المغني : ١ / ٧٥ :

تقول وقد عاليت بالكور فوقها

(٥) قراءة مسلمة بن عبد الله كما في شواذ ابن خالويه ، وفيه «يهوى» بالياء وهو خطأ مطبعي.

(٦) النهاية : ١ / ٦٤.

(٧) فراغ في الأصل ، ولعله يريد حديث الحج : «وليس ثمّ طرد ، ولا إليك إليك» ومعناه : تنحّ وأبعد أو : الطريق الطريق وتكريره للتأكيد (النهاية : ١ / ٦٤).

١٢٣

شرط وفعله ، فسّرها سيبويه (١) ب : مهما يكن من شيء. ولذلك تلزم الفاء / في جوابها. قال تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٢). وقد تحذف بكثرة مع قول مضمر ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ)(٣) فيقال لهم : أكفرتم؟ ودونه قليلا كقوله : [من [من الطويل]

فأمّا (٤) القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب

أي فلا قتال.

ويجاء مع الشرط الصّحيح فيحذف جوابه لدلالة جوابها عليه كقوله تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، فَسَلامٌ)(٥). ولا يليها إلا الأسماء ، وبذلك أجمعوا ، إلا من شذّ على رفع (٦) ثمود من قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(٧). ولم ينصب على الاشتغال (٨).

وأما بالتخفيف : حرف كألا ، وتكون بمعنى حقا ، ولكونها بهذين المعنيين جاز في (أن) الواقعة بعدها الكسر والفتح ، على أنها استفتاح كلام فوقعت أن (٩) في ابتداء الكلام ، فمن ثمّ كسرت ، والفتح على أنها بمعنى حقّا. وحقا مشبهة بالظرف ؛ فتكون خبرا مقدّما. وأن وما بعدها في محلّ المبتدأ تقديره : أنّك ذاهب (١٠) أي ذهابك.

وإمّا ، بالكسر والتشديد : حرف معناه الشكّ أو الإبهام أو التخيير أو الإباحة أو التّقسيم

__________________

(١) انظر الكتاب : ١ / ٤٦٩ و ٢ / ٣١٢ بولاق. وانظر البحر : ١ / ١١٩.

(٢) ٩ / الضحى : ٩٣.

(٣) ١٠٦ / آل عمران : ٣.

(٤) في الأصل : أما ، والبيت من شواهد المغني ، رقمه ٨٠.

(٥) ٩٠ / الواقعة : ٥٦.

(٦) قراءة رفع «ثمود» في شواذ ابن خالويه (ص ١٣٣) هي قراءة يحيى والأعمش.

(٧) ١٧ / فصلت : ٤١.

(٨) نصب على الاشتغال على قراءة ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي (مختصر الشواذ : ١٣٣).

(٩) الكلمة ساقطة من ح.

(١٠) وفي س : وفي حق أنك ذاهب.

١٢٤

كأو. وادّعى بعضهم أنها عاطفة (١) إجماعا ، وبعضهم أثبت فيها خلافا ، قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)(٢) فهذه للتقسيم. وقوله : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً)(٣) ظاهر فيه التخيير ، ويجوز الإباحة. وقوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ)(٤) ظاهر فيه (٥) التنويع ، وقد تحذف الثانية ويغني عنها (أو) ، نحو : قام إما زيدا أو عمرا. وقد يغني عنها (٦) إلا ، كقوله (٧) : [من الوافر]

فإمّا أن تكون أخي بحقّ (٨)

فأعرف منك غثّي من سميني

وإلّا فاطّرحني واتّخذني

عدوّا ، أتّقيك وتتّقيني

وقد تبدل ميمها الأولى ياء مع فتح همزتها ، وأنشد (٩) : [من البسيط]

يا ليتما أمّنا شالت نعامتها

أيما إلى جنة أيما إلى نار

وهذه الأحرف الثلاثة قد ذكرتها مبسوطة في غير هذا. وفي هذا كفاية لما نحن بصدده.

أ م ت :

قال تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(١٠) أي لا ارتفاع فيها ولا انخفاض ، أي لا حدب فيها ولا نبك. والنّبك : التلال الصغار.

__________________

(١) وفي س : ليست عاطفة. وحروف العطف عند النحويين عشرة ، وقد تسّعها أبو علي الفارسي حيث عزل عنها إمّا ، وعبّر ابن عصفور في كتاب شرح الجمل للزجاجي عن سبب عزلها خير تعبير (انظر : الأحاجي النحوية : ٤٣ ، شرح الجمل : ١ / ٢٢٣ ، البغداديات : ٣١٩).

(٢) ٣ / الإنسان : ٧٦.

(٣) ٨٦ / الكهف : ١٨.

(٤) ٧٥ / مريم : ١٩.

(٥) وفي س : في.

(٦) وفي ح : بها.

(٧) الأبيات للمثقب العبدي ، من شواهد المغني رقم ٨٦.

(٨) وفي المغني : بصدق.

(٩) من شواهد المغني : ٥٩ ، وشواهد التاج مادة ـ أمم. وذكره الجوهري وقال في همزة «أما» : وقد تكسر. والبيت للأحوص.

(١٠) ١٠٧ / طه : ٢٠ ، أمتا : مكانا مرتفعا ، ارتفاعا.

١٢٥

والأمت في الأصل : المكان المرتفع. ويقال (١) : ملأ مزادته فلا أمت فيها ، أي لا غرض فيها ولا تثنّي. وأمتّ الشيء أي قدّرته فهو مأموت. وأنشد (٢) : [من الرجز]

هيهات (٣) فيها ماؤها المأموت

وفي الحديث : «إنّ الله حرّم الخمر فلا أمت فيها» (٤). قال شمر : أي لا عيب فيها. قال الأزهريّ : بل معناه : لا شكّ فيها ، ولا ارتياب أنه لتنزيل من ربّ العالمين ، لأنّ الأمت في صيغة اللغة : الحزر والتقدير ويدخلهما الظنّ. يقال : بيننا وبين الماء ثلاثة أميال على الأمت ، أي الظنّ. وكم تأمت هذا الأمر؟ أي تقدّره (٥)؟ قال الهرويّ : قلت : معناه (٦) حرّمها تحريما لا هوادة فيه ، أي لا لين فيه. يقال : سار سيرا لا أمت فيه ، أي لا لين فيه (٧) ولا فتور.

أ م د :

قال الله تعالى : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ)(٨). والأمد والأبد أخوان إلا أنّ بينهما فرقا وهو أنّ الأبد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها (٩) حدّ محدود ، ولا يتقيّد فلا يقال : أبد كذا. والأمد : مدة لها حدّ مجهول إذا أطلق ، و [قد](١٠) ينحصر نحو أن يقال : أمد كذا. والفرق بينه وبين الزمن أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية. والزمان عامّ في المبدأ (١١) والغاية. ولذلك قال بعضهم : الأمد والمدى يتقاربان. وقد تجيء لمجرد الغاية كقوله تعالى : (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها

__________________

(١) الكلمة ساقطة من س.

(٢) الرجز لرؤبة ، كما في اللسان ـ مادة أمت.

(٣) ورواية اللسان : أيهات. المأموت : المحزور.

(٤) النهاية : ١ / ٦٥ ، في حديث الخدريّ.

(٥) وفي س : تقديره.

(٦) الكلمة ساقطة من ح.

(٧) الكلمة ساقطة من ح.

(٨) ١٦ / الحديد : ٥٧.

(٩) ساقطة من س.

(١٠) إضافة يقتضيها المعنى.

(١١) كذا في س ، وفي ح : الزمن ، وما ذكرناه أكثر صوابا.

١٢٦

وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)(١) أي غاية. وقد تجيء لنهاية بلوغها كقوله : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ). (وقيل من قولهم : طال الأمد) (٢) على لبد ، أي الزمان. ولبد : اسم نسر (٣) لقمان بن عاد. وكقوله : (أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً)(٤) أي غاية إقامة.

وقولهم : استولى على الأمد أي غلب سابقا. وللإنسان أمدان ؛ مولده وموته. وعن الحجاج أنه قال للحسن : ما أمدك؟ قال : سنتان من خلافة عمر رضي الله تعالى عنه (٥) أي ولدت لسنتين بقيتا من خلافته.

وجمع الأمد : آماد.

أ م ر :

الأمر يقال باعتبار طلب الفعل ، وله صيغ أصلها أفعل وما في معناها. وهل يشترط فيه الاستعلاء والعلوّ؟ خلاف بين الأصوليين. ولذلك اختلفوا في مدلوله هل هو وجوب أو ندب ، أو مشترك بينهما. ويرد لمعان أخر حرّرتها في موضع آخر. ويطلق باعتبار الحال والبيان ، فيشمل ذلك الأقوال والأفعال ، كقوله تعالى : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)(٦) ومثله في العموم : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)(٧). وزاد بالإبداع وعليه : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)(٨). ومن ثمّ حمل الحكماء قوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)(٩) على ذلك ، أي هو من إبداعه ، ويختصّ به دون خلقه. وقوله : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ)(١٠) تنبيه أنّ رؤيا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بمنزلة اليقظة لا فرق بينهما. وقوله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ

__________________

(١) ٣٠ / آل عمران : ٣.

(٢) الجملة ساقطة من س.

(٣) كلمة نسر ساقطة من الأصل ، وهي مشهورة.

(٤) ١٢ / الكهف : ١٨.

(٥) النهاية : ١ / ٦٥ ، والحسن هو الحسن البصري.

(٦) ٩٧ / هود : ١١.

(٧) ١٢٣ / هود : ١١.

(٨) ٥٤ / الأعراف : ٧.

(٩) ٨٥ / الإسراء : ١٧.

(١٠) ١٠٢ / الصافات : ٣٧.

١٢٧

بِالْبَصَرِ)(١) عبّر به عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه فهمنا ، وتسعه عقولنا. وعليه قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢). وقوله : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً)(٣) عبّر به عمّا تأمر به النفس الأمّارة المشار إليها بقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٤). وقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٥) يعني القيامة. فعبّر عنها بأعمّ أحوالها من أقوال وأفعال. وقوله : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها)(٦) أي أمرناهم بالطاعة فعصوا. وقيل : معناه كثّرناهم فبسبب ذلك عصوا وفسقوا ، وتنصره قراءة «أمّرنا» (٧) بالتشديد و «آمرنا» بالمدّ (٨). وقد منع أبو عمرو أمرنا (٩) بمعنى التكثير ، مخففا غير ممدود ، وأثبته أبو عبيدة مستدلّا بقوله عليه الصلاة والسّلام : «خير المال مهرة مأمورة وسكّة مأبورة» (١٠) المأمورة : الكثيرة النتاج ، وهي من (أمر) الثلاثيّ. والمأبورة : التي لقحت. والسكّة : حديقة النّخل. وقد حكي : أمرت المهرة بالتخفيف والقصر ؛ فهي مأمورة. وآمرتها بالمدّ فهي مؤمّرة.

وأمر (١١) القوم : كثروا ، لأنهم لما كثروا صاروا ذوي أمر من حيث إنه لا بدّ لهم من سائس. وقيل في قراءة : أمّرنا بالتشديد جعلناهم أمراء ، وسلطانهم آمر عليهم يأمر صار أميرا. وفي الحديث : «آمري جبريل» (١٢) ، أي وليّي وصاحب أمري. وقيل : إن كثرة الأمراء سببب في إفساد (١٣) ...

__________________

(١) ٥٠ / القمر : ٥٤.

(٢) ٨٢ / يس : ٣٦.

(٣) ١٨ / يوسف : ١٢.

(٤) ٥٣ / يوسف : ١٢.

(٥) ١ / النحل : ١٦.

(٦) ١٦ / الإسراء : ١٧.

(٧) قراءة أبي عثمان الهندي وليث عن أبي عمرو وأبان عن عاصم (مختصر الشواذ : ٧٥). وبذلك معناها : سلّطنا.

(٨) قراءة يعقوب (المبسوط : ٢٦٨).

(٩) قصده : لا يقال أمرت بالتخفيف في معنى كثّرت.

(١٠) النهاية : ١ / ١٣. والمعنى : خير المال نتاج أو زرع.

(١١) في الأصل : وأمروا ، ولعلها كما ذكرنا.

(١٢) وفي النهاية : ١ / ٦٦ والغريبين : ٨١ : «أميري من الملائكة جبريل».

(١٣) بياض في الأصل قدر كلمتين.

١٢٨

وقوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً)(١) أي شيئا منكرا ، وهو من أمر الأمر ، أي كبر وكثر ، نحو : استفحل الأمر.

والائتمار : التّشاور. وأصله أنّ الائتمار قبول الأمر ، وذلك أن المتشاورين يقبلون أمر بعض بعضا ، ومنه : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ)(٢). قال الأزهريّ : الباء بمعنى في. (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ)(٣) مثل : ائتمروا. وقوله : (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)(٤) أي ليكن المعروف من أمركم ، ومما ينبغي ... (٥) به بل يشاور بعضكم بعضا في دفعه ورفعه. وقال عمر رضي الله عنه : «الرجال ثلاثة : رجل إذا نزل به أمر ائتمر رأيه» (٦) واختلف فيه ، فقال شمر : شاور رأيه (٧) ، وارتأى قبل مواقعة (٨) الأمر.

وقيل : هو (٩) الذي يهمّ بالأمر يفعله. وكلّ من عمل برأيه / فلا بدّ له من مواقعة الخطأ وأنشدوا للنّمر بن تولب (١٠) : [من مخلع البسيط]

علقت لوّا (١١) تكرّرها (١٢)

إنّ لوّا ذاك أعيانا

إعلمي (١٣) أن كلّ مؤتمر

مخطىء (١٤) في الرأي أحيانا

__________________

(١) ٧١ / الكهف : ١٨.

(٢) ٢٠ / القصص : ٢٨.

(٣) ٥ / البينة : ٩٨.

(٤) ٦ / الطلاق : ٦٥.

(٥) فراغ قدر كلمتين في الأصل.

(٦) النهاية : ١ / ٦٦.

(٧) وفي س والنهاية : نفسه.

(٨) وفي ح : موافقة.

(٩) يعني المؤتمر.

(١٠) البيتان من قطعة يردّ على زوجته بعد أن عذلته لكرمه (الديوان : ١٢٠). وانظرهما كذلك في المقتضب : ١ / ٢٣٥ ، والمخصص : ١٧ / ٥٠ ، المعاني الكبير : ١٢٦٥. مع اختلاف في الرواية.

(١١) تكون (لو) ساكنة الواو إذا جعلت أداة ، فإذا أخرجتها إلى الأسماء وشددت واوها وأعربتها. وهذا البيت من شواهد اللغويين على جعل لو اسما.

(١٢) كذا في الديوان ، وفي الأصل : يكرره.

(١٣) كذا في الديوان ، وفي الأصل : اعلمن ، وله رواية : اعلما (الغريبين : ٨٣).

(١٤) كذا في الديوان ، وفي الأصل : يخطىء.

١٢٩

وفي حديث آخر : «لا يأتمر رشدا» (١) أي لا يأتي برشد من ذات نفسه. وقال القتيبيّ : أحسبه من الأمر ، كأنّ نفسه أمرته فائتمر. وقال أبو عبيد في قول امرىء القيس (٢) : [من المتقارب]

ويعدو على المرء ما يأتمر

يفعل الشيء (٣) من غير رويّة ولا تثبّت فيندم.

والأمارة بفتح الهمزة بمعنى العلامة ، وفي الحديث : «هل لك من أمارة»؟ (٤) والأمار جمعها ، نحو مرّة ومرّ (٥). والإمارة بالكسر مصدر كالولاية مع أنه سمع الفتح والكسر في المصدر. وقد قرىء (٦) : (الْوَلايَةُ لِلَّهِ)(٧) و (مِنْ وَلايَتِهِمْ)(٨) بالوجهين. وقوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ)(٩) قيل : هم الأمراء في زمنه عليه الصلاة والسّلام ، وقيل : هم الأنبياء عليهم‌السلام. وقيل : العلماء. وقيل : الآمرون بالمعروف. وقيل : أهل الدين المطيعون لله من الفقهاء قاله ابن عباس. وهذا كلّه محتمل ، قال الراغب : وجه ذلك أن أولي الأمر (١٠) الذين يرتدع [بهم](١١) الناس هم أربعة : الأنبياء وحكمهم على ظاهر العامّة والخاصّة وعلى باطنهم. والولاة وحكمهم على ظاهر الكافّة دون باطنهم. والحكماء

__________________

(١) النهاية : ١ / ٦٦.

(٢) وصدره :

أحار بن عمرو كأني خمر

يعزو ابن منظور البيت إلى النمر بن تولد ، ولم يرد في ديوانه ، بينما ورد في ديوان امرىء القيس : ١٠٩.

(٣) كذا في س ، ويؤيده الغريبين : ٨٣ ، واللسان. وفي ح : الأشياء.

(٤) وروي : «فهل للسفر أمارة».

(٥) الكلمتان غير واضحتين في الأصل ، وصوبناهما من اللسان.

(٦) قرأ أبو عمرو بفتح الواو وقرأ الكسائي بكسرها (المبسوط : ٢٧٨).

(٧) ٤٤ / الكهف : ١٨.

(٨) ٧٢ / الأنفال : ٨.

(٩) ٥٩ / النساء : ٤.

(١٠) في الأصل : الناس.

(١١) إضافة من مفردات الراغب : ٢٤.

١٣٠

[وحكمهم](١) على بواطن العامة دون ظاهرهم. والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم. قال تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها)(٢).

أ م س :

أمس : ظرف زمان ماض يبنى لتضمّنه معنى الحرف وهو الألف واللام بدليل وصفه المعرف في قوله :

ذهبوا كأمس الدّابر (٣)

قيل : وقد يعرب غير منصرف كقوله (٤) :

لقد رأيت عجبا مذ أمسا (٥)

عجائزا مثل السّعالي خمسا

يأكلن ما بينهنّ (٦) همسا

لا ترك الله لهنّ ضرسا

وحقيقته : اليوم الذي قبل يومك ، ويليه يومك. وقد يعبّر به عن مطلق الزمان الماضي كقوله : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(٧). وكما لم يرد باليوم اليوم الذي أنت فيه ، ولا بالغد اليوم الذي بعد يومك ، بل يراد بها الماضي والحاضر والمستقبل ، وعلى ذلك حمل قول زهير (٨) : [من الطويل]

وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عم

__________________

(١) إضافة من مفردات الراغب (ص ٢٥) لضرورة السياق ، ولعل الناسخ أسقط الكلمة.

(٢) ١٢ / فصلت : ٤١. أوردها المؤلف دون أي تعليق.

(٣) التركيب «أمس الدابر» ورد كثيرا على ألسنة العرب.

(٤) من شواهد سيبويه : ٣ / ٢٨٤ ، واللسان مادة ـ أمس. والرجز للعجاج ، وانظر ابن يعيش : ٤ / ١٠٦.

(٥) قال سيبويه : «جاء في ضرورة الشعر مذ أمس بالفتح».

(٦) وفي اللسان : في رحلهن.

(٧) ٢٤ / يونس : ١٠.

(٨) شعر زهير : ٢٥.

١٣١

قالوا : أراد باليوم الزمن الحاضر ، وبالأمس الماضي ، وبالغد المستقبل ، وإلا لم يكن لكلامه فائدة (١) ؛ إذ من المعلوم أنّ ما قبل يومه وبعده كذلك ، فتخصيصه لهما بالذكر عيّ. ومتى أضيف أو عرف بأل أعرب ، قال تعالى : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ). وتقول : أمسك خير من يومك.

أ م ل :

الأمل : ظنّ البقاء ، والطمع في زيادته ، قال تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ)(٢). وقد تجيء لمجرد الطمع ، قال كعب بن زهير (٣) : [من البسيط]

أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

وما إخال لدينا منك تنويل

وأملت معروفك أؤمّله تأميلا. وفي الحديث : «يشيب المرء وتشيب فيه خصلتان : الحرص وطول الأمل» (٤) أي الطّمع في البقاء.

والتأمّل : التدبّر ، وهو النظر في عواقب الشيء والتفكّر فيها. ومنه تأمّل المسألة (٥).

أ م :

على ضربين : متصلة ومنقطعة (٦) فالمتصلة هي العاطفة. وشرطها (٧) أن تتقدّمها همزة

__________________

(١) يقول الشنتمري تعليقا على أمس : أعلم ما في يومي لأني مشاهده ، وأعلم ما كان بالأمس لأني عهدته ، وأما علم ما في غد فلا يعلمه إلا الله لأنه من الغيب.

(٢) ٣ / الحجر : ١٥.

(٣) ديوان كعب : ٩ ، وهو على إحدى الروايات.

(٤) ابن حنبل : ٣ ، ١١٥ ، وفي روايته خلاف.

(٥) جاء في الهامش : الفرق بين فتأمل وتأمل بدون الفاء أن الأول إشارة إلى ضعف الجواب والثاني إلى قوة الجواب (شرح المفتاح). وأما فليتأمل إذا استعمل في الجواب والسؤال إذا كانا معلومين إشارة إلى ضعف الجواب ، وإذا كانا مجهولين إشارة إلى ضعف السؤال. حسن چلبي. قيل : إن تأمل وتدبّر ونحوهما يكون للسؤال في ذلك المقام ، وأما إذا كان بالفاء فإنه يكون بمعنى التقرير والتحقيق لما بعده وكذلك فليتأمل.

(٦) وعند ابن هشام أنها أربعة أضرب : متصلة ، منقطعة ، زائدة ، للتعريف (مغني اللبيب : ٤١).

(٧) في الأصل : وشرحها ، ولعلها كما ذكرنا.

١٣٢

استفهام لفظا نحو : أقام زيد أم عمرو؟ أو تقديرا نحو قوله (١) : [من الطويل]

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر؟

أو همزة تسوية نحو : (أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٢) ، وأن يعطف بها مفردا وما في قوته ، وأن يصلح موضعها (أي) ويجاب بإحدى : الشيئين أو الأشياء.

والمنقطعة بخلافها ، وتقدّر ب (بل) والهمزة نحو : إنها لإبل أم شاء وقد تقدّر ب (بل) وحدها (٣) ، كقوله (٤) : [من الطويل]

فليت سليمى في الممات ضجيعتي

هنالك ، أم في جنة أم جهنم

وتجاب على ب (لا) أو ب (نعم). ولها أحكام كثيرة مذكورة في الكتب المشار إليها.

أ م م :

الأمّ : القصد. يقال : أممت زيدا قصدته ؛ قال تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ)(٥) أي قاصديه ، أي لا تتعرضّوا لهم. وقيّده بعضهم فقال : هو القصد المستقيم نحو المقصود ، فهو أخصّ منه. يقال : أمّ ويؤمّ ، وتيمّم بمعنى واحد. وفي حديث : «كانوا يتأمّمون شرار (٦) ثمارهم للصّدقة».

والأمّة : الجماعة من الناس يجمعهم أمر مّا ؛ دين أو زمان أو مكان واحد ، سواء كان

__________________

(١) شعيث حي من تميم ثم من بني منقر ، وسهم : حي من قيس. والبيت للأسود بن يعفر ، وهو من شواهد سيبويه : ٣ / ١٧٥ ، وانظر الخزانة : ٤ / ٤٥٠.

(٢) ٦ / البقرة : ٢.

(٣) وتقديره كما مغني اللبيب (٤٥) : بل أهي شاء.

(٤) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، وهو من شواهد أوضح المسالك ، رقم ٤٢٠ ، وغير مذكور في الديوان.

(٥) ٢ / المائدة : ٥.

(٦) كذا في النهاية : ١ / ٦٩ ، وفي الأصل : سواد. وفي النهاية أيضا : في الصدقة. ويروى «يتمّمون» (الغريبين : ٩١).

١٣٣

ذلك الجامع إختياريا أو (١) قهريا والجمع أمم ، قوله تعالى : (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ)(٢) أي كلّ نوع منها على طريقة قد سخّرها (٣) عليه بالطبع فهي ناسجة كالعنكبوت ، وبانية كالسّرفة (٤) ، ومدّخرة كالنّمل ، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام إلى غير ذلك من الطبائع التي يختصّ بها نوع دون نوع. وقيل : أمثالكم في الشّقاوة والسعادة. وقيل : في أنّ لهم آجالا مقدّرة كما أنتم. وقيل : أمثالكم في الخلق والموت والبعث.

وعن ابن عباس : الأمة أتباع الأنبياء ومنه أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥). وقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)(٦) أي دينكم. والأمّة أيضا الطريقة المستقيمة. قال الذبيانيّ (٧) : [من الطويل]

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع؟

وعليه قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ)(٨) ، قيل : ذو أمّة أي ذو طريقة قويمة.

والأمّة : كلّ جيل في زمن وإن لم يكونوا ناسا ؛ وفي الحديث : «لو لا أنّ الكلاب أمّة تسبّح لأمرت بقتلها» (٩). وفي الحديث : «إنّ يهود بني عوف أمة من المؤمنين» (١٠) تأويله أنّهم بالصلح الذي حصل بينهم وبين المؤمنين كأمّة من المؤمنين (١١) ؛ كلمتهم وأيديهم واحدة.

__________________

(١) في الأصل : أم ، وصوابها هنا كما ذكرنا ، وذلك أن (أم) تأتي إذا سبقت بهمزة التسوية أو بهمزة يطلب بها وبأم التعيين (انظر مغني البيب : ٤١).

(٢) ٣٨ / الأنعام : ٦.

(٣) يعني : سخرها الله.

(٤) السرفة : دودة القز.

(٥) جاء في الهامش : وقد يختصّ بالجماعة الذين بعث فيهم نبي وهم باعتبار البعثة فيهم ودعائهم إلى الله يسمون أمة الدعوة ، فإن آمنوا كلا أو بعضا سمي المؤمنون أمة إجابة. منادي.

(٦) ٩٢ / الأنبياء : ٢١. أمة : منصوبة على الحال. وبرواية الرفع : بدل أو خبر لمبتدأ محذوف.

(٧) البيت الخامس والعشرون من اعتذارية النابغة إلى النعمان. ذو إمة : ذو قصد واستقامة. وذو أمة : ذو دين وطاعة.

(٨) ١١٣ / آل عمران : ٣.

(٩) النهاية : ١ / ٦٨.

(١٠) المصدر السابق.

(١١) أي كجماعة منهم.

١٣٤

ويطلق على من تفرّد بدين : أمّة ، ومنه : «قسّ بن ساعدة [وزيد بن](١) عمرو بن نفيل يبعث أمّة وحده» ، قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً)(٢).

والأمّة (٣) : المدّة من الزمان (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)(٤) أي بعد حين. وقوله : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(٥) من ذلك. وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)(٦) أي دينا واحدا. ومثله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً)(٧) أي دينا واحدا ، فقيل : كفر وقيل : إسلام.

والأمّة : الصّنف ، قال تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ)(٨) أي صنف قد طوي زمنه ؛ فما بالكم تفتخرون بهم؟ وكانوا يقولون : نحن أبناء الأنبياء ، ويترجّون أن يكونوا أمثالهم (٩).

والأمّ : أحد الأبوين ، وتجمع في العقلاء على أمّهات ، وفي غيرهم على أمّات ، وقد ينعكس قليلا ، قال الشاعر (١٠) ، (فجمع بين اللغتين) (١١) : [من المتقارب]

إذ الأمّهات قبحن الوجوه

فرجت (١٢) الظّلام بأمّاتكا

__________________

(١) إضافتنا والمشهور أن الاسم لشخصين : قس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وهو المذكور في مفردات الراغب (ص ٢٣) ، على أن ابن الأثير ذكر الحديث ونسبة إلى قس في (أسد الغابة : ٤ / ٢٠٤) كما ذكره في (٢ / ٢٣٦) ونسبه إلى زيد بن عمرو. كذا في أسد الغابة ، وفي الأصل : واحدة.

(٢) ١٢٠ / النحل : ١٦.

(٣) في الأصل : الأزمنة ، وصوبناها.

(٤) ٤٥ / يوسف : ١٢.

(٥) ٨ / هود : ١١.

(٦) ٤٨ / المائدة : ٥.

(٧) ٢١٣ / البقرة : ٢.

(٨) ١٣٤ / البقرة : ٢.

(٩) وفي س : أمثالكم.

(١٠) الشاعر هو مروان بن الحكم ، كما في شواهد الشافية : ٣٠٨. وهو من شواهد ابن منظور في مادة (أمم).

(١١) الكلام ساقط من س.

(١٢) كذا في رواية اللسان وشواهد الشافية ص ٣٠٨ وفي الأصل : وقد جن ، ولا يستقيم به.

١٣٥

ويقال : أمّهة. قال (١) : [من الرجز]

أمّهتي خندف وإلياس أبي

فقيل : هذا أصلها (٢) ، ولذلك يصغّرونها ، / فيقال : أميمة. وقيل : هي مزيدة. وقيل : بل هي مزيدة كهي في هو كوله وهلع (٣). وقال آخر : [من الطويل]

وأمّات أطلاء صغار كأنها

فهذا جاء على الكثير.

قال الخليل : كلّ شيء ضمّ إليه سائر ما يليه يسمّى أمّا. وقال غيره : كلّ ما كان أصلا لوجود الشيء أو إصلاحه أو تربيته أو مبدئه أمّ. قال تعالى : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(٤) ، أي اللوح المحفوظ ، لأنّ العلم كلّه منسوب (٥) إليه.

وأمّ القرى : مكة ، لأنّ الأرض دحيت من تحتها. وقوله : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى)(٦) على حذف مضاف ، أي أهل أمّ القرى ، نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٧). وقوله : (أُمِّ الْكِتابِ)(٨) لأنّها مبدؤه وأصله ، ولاشتمالها على الأنواع الواردة في جميع القرآن حسبما بيّنته في غير هذا الموضع ، وإن كان بعضهم كره تسميتها بأمّ الكتاب. وقوله : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ)(٩) أي معظمه. وأمّ الطريق : معظمه ، وأمّ الرّمح : لواؤه. قال : [من الرمل]

__________________

(١) الشاعر ـ كما في اللسان مادة ـ أمه ـ هو قصيّ ، ولم يذكره ابن دريد في الجمهرة وسماه الراجز :

عبد يناديهم بهال وهبي

وفي رواية الجمهرة : عند تناديهم ، ويقول : زجر من زجر الخيل.

(٢) يقول أبو بكر ابن السراج : الهاء في أمهة أصلية ، وهي فعّلة (اللسان ـ أمه. وانظر الأشموني ٤ / ٢٦٩ مع الصبان والمساعد على تسهيل الفوائد : ٤ / ٥١).

(٣) كذا في الأصل.

(٤) ٣٩ / الرعد : ١٣.

(٥) في الأصل : منسوبا. ويجعل الهرويّ «أم الكتاب» أصله (الغريبين : ٨٥).

(٦) ٩٢ / الأنعام : ٦.

(٧) ٨٢ / يوسف : ١٢ ، أي أهل القرية.

(٨) ٤ / الزخرف : ٤٣ ، وغيرها.

(٩) ٧ / آل عمران : ٣.

١٣٦

وسلبنا الرّمح فيه أمّه

من يد العاصي وما طال الطّيل (١)

والأمّيّ : من لا يكتب ولا يقرأ من كتاب (٢) ؛ قال تعالى : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَ)(٣) ؛ يقال : رجل أمّيّ : منسوب إلى أمّة أمّية (٤) ، وفي الحديث : «بعثت إلى أمّة أمّية» (٥) ، وهو الباقي على أصل ولادة أمّه لم يتعلم الكتابة. والأمّيّ : منسوب إلى أمّه التي ولدته والإمام : المتّبع في أقواله وأفعاله وأحواله. ومنه قوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)(٦) ، ولذلك ادّعاه كلّ أحد. ولم يصدق في ذلك إلا المسلمون ، ومن فعل فعلهم. قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(٧) ، هو اللوح المحفوظ. وقيل : كتب أعمالهم (٨).

وقوله : (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ)(٩) ، أي أن القريتين المهلكتين ؛ قريتي قوم لوط وأصحاب الأيكة بطريق واضح تمرّ عليه قريش في سفرها.

والإمام : الطريق ، لأنّ سالكه يتبعه. وقوله : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً)(١٠) أي يقتدي بنا من بعدنا ، وقوله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)(١١) قيل : نبيّهم. وقيل : كتابهم. وقيل : عالمهم الذي اقتدوا به.

أ م ن :

الأمن : الطمأنينة عند الخوف. قال تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ)(١٢). والأمن

__________________

(١) البيت في اللسان والتاج وفيهما : الطّول. ويؤيد الأصل ما جاء في الغريبين : ٨٦.

(٢) وفي س : من كتاب الله.

(٣) ١٥٧ / الأعراف : ٧.

(٤) قال قطرب : الأميّة : الغفلة والجهالة (المفردات : ٢٣).

(٥) النهاية : ١ / ٦٨.

(٦) ١٢٤ / البقرة : ٢.

(٧) ١٢ / يس : ٣٦.

(٨) قال مجاهد : يعني أم الكتاب (الغريبين : ٩١).

(٩) ٧٩ / الحجر : ١٥.

(١٠) ٧٤ / الفرقان : ٢٥.

(١١) ٧١ / الإسراء : ١٧.

(١٢) ٨٢ / الأنعام : ٦.

١٣٧

والأمان والأمانة في الأصل مصادر. وتجعل الأمانة اسم الحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن تارة ، ولما يؤتمن عليه الإنسان أخرى ، نحو : (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)(١) أي ما أئتمنتم عليه. قال تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ)(٢). قيل : [هي](٣) كلمة التوحيد ، وقيل : العدالة ، وقيل : العقل ، وقيل : حروف التهجّي ؛ بل بحصوله يعلم كلّ ما في طوق (٤) البشر ، وبه فضّل على كثير ممّن خلقه تفضيلا. وقال الحسن : هي الطاعة ، وقيل : العبادة.

وفي الحديث : «الأمانة غنى» (٥) أي سبب الغنى ، لأنّه متى عرف بالأمانة كثر معاملوه. وقوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٦). قيل : آمنا من النار. وقيل : لفظه خبر ، ومعناه الأمر. وقيل : من بلايا الدّنيا. وقيل : الاصطلام (٧). وقيل : آمن في حكم الله تعالى ، كقولك : هذا حلال وهذا حرام في حكم الله. والمعنى : لا يجب أن يقتصّ منه (٨) ولا يقتل فيه إلا أن يخرج منه. ومثل ذلك : (جَعَلْنا حَرَماً آمِناً)(٩).

وقوله : (أَمَنَةً نُعاساً)(١٠) هي بمعنى الأمن ، وذلك أن النوم منتف عن الخائف. والآمن هو الذي يتطرّق إليه النّوم. وقيل : هي جمع آمن نحو كتبة وكاتب. وفي حديث [نزول](١١) المسيح : «وتقع الأمنة (١٢) في الأرض».

وقوله : (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)(١٣) أي منزله الذي يأمن فيه. وقوله : (فِي مَقامٍ

__________________

(١) ٢٧ / الأنفال : ٨.

(٢) ٧٢ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) كذا عن المفردات ، وفي الأصل : طور.

(٥) النهاية : ١ / ٧١. ولعل الصواب قوله : إذ بحصوله.

(٦) ٩٧ / آل عمران : ٣.

(٧) الإصطلام : الإستئصال ، وقصده : يأمن الإصطلام.

(٨) الضمير عائد على الضمير المذكور في الآية.

(٩) ٦٧ / العنكبوت : ٢٩.

(١٠) ١٥٤ / آل عمران : ٣.

(١١) إضافة من النهاية : ١ / ٧١.

(١٢) في الأصل : ونزل. والتصويب من المفردات واللسان والنهاية.

(١٣) ٦ / التوبة : ٩.

١٣٨

أَمِينٍ)(١) لأنّ أهله أمنوا فيه من العذاب والفقر (٢). وقوله : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)(٣) يعني به مكة ، لأنّ غيرها من البلاد كان أهلها يغير بعضهم على بعض. ومكة آمنة من ذلك.

قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا)(٤) أي بمصدّق ؛ لأنّ الإيمان هو التصديق الذي معه أمن. قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)(٥) فهذا ذمّ لهم وتهكّم بهم ، وأنهم قد حصل لهم الأمن من وجه لا يصحّ معه أمن ، لأنّ طبيعة القلب السليم ألّا يطمئنّ إلى الباطل ، وعليه قول الشاعر : [من الوافر]

تحية بينهم ضرب وجيع

[كما يقال :](٦) وإيمانه الكفر. أي جعلت التحية ضربا والإيمان كفرا.

والإيمان لغة : التصديق ، وعند كثير من أهل العلم اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. ولم يشترط الأشاعرة عمل الأركان.

وأمن يقال باعتبارين أحدهما أمن غيره أي حصل له الأمن ، ومنه وصفه تعالى بالمؤمن. والثاني أنه صار ذا أمن ، فيكون قاصرا نحو : أمن زيد كأبقل (٧) المكان وأعشب. ولكونه مضمّنا للتّصديق عدّي بالباء في (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(٨) أي يصدّقون بجميع ما أخبر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمور الآخرة الغائبة عنهم. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب» (٩). وقد جعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحياء

__________________

(١) ٥١ / الدخان : ٤٤.

(٢) وفي الغريبين (ص ٩٢) : العذاب والغير.

(٣) ٣ / التين : ٩٥.

(٤) ١٧ / يوسف : ١٢.

(٥) ٥١ / النساء : ٤.

(٦) إضافة توضيحية نقلناها عن المفردات.

(٧) كذا في س ، وفي ح : نحو أبقل.

(٨) ٣ / البقرة : ٢.

(٩) رواه سفيان بن عيينة ، وسعيد بن منصور ، والحاكم ، وصححه (الدر المنثور : ١ / ٢٦). وفيه رواية : «ما آمن أحد ..».

١٣٩

وإماطة الأذى من الإيمان لأنّهما ينشأان عنه ، وجعل الإيمان في خبر جبريل المشهور (١) من سنة أشياء.

والإيمان تارة يجعل اسما للشريعة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ)(٢). ويدخل فيه كلّ من دخل في دين مقرّ بالله ورسوله. قيل : وعليه قوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٣). فقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي بألسنتهم. ثم قوله ثانيا : (مَنْ آمَنَ)(٤) يعني من واطأ قلبه لسانه. وقيل : معناه أنّهم مقرّون بأنّ الله خالقهم ، ومع ذلك يشركون به عبادة الأصنام.

وجعل الصلاة إيمانا في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ)(٥) أي صلاتكم نحو بيت المقدس. والمعنى تصديقكم بأمر القبلة ، وذلك أنّ المنافقين وغيرهم لمّا حوّلت القبلة قالوا : فكيف بمن مات قبل ذلك؟ قاله المنافقون استهزاء والمؤمنون تحزّنا على الموتى واستفسارا عن حالهم. وفي حديث عقبة : «أسلم الناس وآمن عمرو» (٦) يعني أنّ غيره آمن بلسانه نفاقا خوفا من السيف ، وهو آمن مخلصا.

ورجل أمنة وأمنة أي يثق بكلّ أحد. وأمين وأمان أي يؤمن به. والأمون : الناقة التي يؤمن عثارها وفتورها. قال امرؤ القيس (٧) : [من الطويل]

فعزّيت نفسي حين بانوا بجسرة

أمون كبنيان اليهوديّ خيفق

والجسرة : القوية. والخيفق : الطويل.

آمين : اسم فعل معناه استجب أو ليكن كذلك. وتشديد ميمه خطأ عند الحذّاق. وقيل : آمين وأمين بالمدّ والقصر. وأنشدوا في مدّه (٨) : [من البسيط]

__________________

(١) حيث سأله فقال : ما الإيمان؟ والخبر معروف (المفردات : ٢٦).

(٢) ٦٩ / المائدة : ٥.

(٣) ١٠٦ / يوسف : ١٢.

(٤) ٦٢ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٥) ١٤٣ / البقرة : ٢.

(٦) يعني عمرو بن العاص ، وفي الأصل : عمر. انظر النهاية : ١ / ٧٠ ، والحديث لعقبة بن عامر.

(٧) الديوان : ١١٧.

(٨) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، غير مذكور في الديوان ، وورد في اللسان.

١٤٠